ثقافة الدناءة : التطبيل للظالم، تبرير ظلمه، التنديد بمن يرفض الظلم / د.مصطفى سالم

يبلغ عدد معتقلي الرأي في الوطن العربي أكثر من 300 الف شخص النسبة الأكبر منهم في العراق ومصر وسوريا والسعودية والسودان وليبيا وموريتانيا والإمارات والكويت والبحرين واليمن.

وهذا العدد الصادم يتم ادراجه تحت مسميات مختلفة، لأن الانظمة العربية استفادت من المعركة ضد ما يسمى الارهاب للزج بكل معارضيها في المعتقلات تحت هذا البند وبند جديد اسمه الفساد.

كيف لنا أن نتقبل أنظمة تحكم البلاد كمزرعة أن تحارب الفساد. هذا لا يمكن تصديقه.

وهذه مقدمة للتعليق عمن يضع صور حكام قتلة وفاسدين كصورة غلاف له تعبيرا عن الاعجاب والدعم. وهو ما نسميه ثقافة الدناءة.

ثقافة الدناءة هي التي تجعل هذا النمط يعتبر أي انتقاد للحاكم هو انتقاد للوطن والدولة. ومع إن الأمر ليس له علاقة بشعب، أو دولة بل بحاكم ونظام إلا ان الاصرار على هذا الربط لا يتم عن جهل لدى الجميع، بل يتم لأن ثقافة الدناءة تعني أن الحاكم يملك هذا الوطن والدولة.

الشعب الذي لا ينتفض ضد اعتقال اصحاب الفكر والرأي من أبناء الوطن وهم يدافعون عن حقه في حياة افضل، لن ينتفض من اجل تعذيب عامل وافد، أو خادمة. لذا لا يمكن الوثوق باي وزير، مسؤول حكومي، برلمان، ولا حتى أي مواطن ما لم يكن حقوق الاخرين قضيته أيضا.

 ثقافة الدناءة يعيش بها الكثير بوعي أو بدون وعي. لا يمكن تبرير الموقف فقط بالخوف من القمع، أو العنصرية رغم ان كلاهما أقرب لثقافة الدناءة مع كونهما ثقافة معبرة عن تشوه المجتمع.

ثقافة الدناءة هي التي تختصر الدولة والوطن بشخص واحد، أو عائلة الحاكم، وهي أيضا وهذه خطورتها تعتبر طريقة حياة  لمن هم غير مبالين تجاه ما يحدث للاخر سواء كان شريكا في الوطن او كان مقيما بها، أو لشعب مجاور او في أي مكان بالعالم.

و يمكن تفسير ظاهرة الذين يرددون عن وطنهم بأنه دار سلمان او راشد  أو غيرهم من المصائب التي حكمت الدول العربية بتمكن ثقافة الدناءة منه بشكل لم يعد يعرف أنه ينتقص من قدر نفسه ويحط من شأن وطنه ولا يبقي للقانون من معنى، بل وحتى يخرق الدستور إن كان هذا الدستور موجودا ليحترم.

وثقافة الدناءة هي من تربط الوطن أو المدن باسم شخصية دينية راحلة مثل دار الحسين او دار الشيخ، او باسم ملك حالي أو حاكم، وهي تعبير عن الفساد والافساد في الوطن.

ولأن الانظمة العربية اساس بقاءها هو سلوك العصابة انتجت ثقافة مشوهة للمجتمع كارهة له محتقرة للنفس بدرجة التفريط بكل ما يعزز من قيمته. اذ اللامبالاة لا تأتي من عدم الفهم، بل تأتي أيضا من الفهم.  بمعنى الإيمان إن ذلك حلا يوفر الأمان للفرد وينسجم مع المبادئ المشوهة التي يعيش عليها و بالتأكيد تتلاقى مع العنصرية التي في الوطن العربي هي عبارة عن شعور دنيء بالتفوق على من هم بحاجة لنا مع كونهم اكثر اخلاصا وانسجاما مع انفسهم  .

ثقافة الدناءة هي التي تجعل من العنصرية في الوطن العربي ليست تعبيرا عن التفوق، بل هي في طريقة ممارستها التعبير عن انحطاط قيمة الذي يمارسها، لانه يقوم بدور الدودة المحطمة أمام سلطة قمعية أو مؤسسة أمنية، أو عائلة حاكمة تدير البلاد كمزارع والمواطنين كمزارعين. وبدلا من أن ينتفض لوصوله درجة انحطاط خطيرة يحول هذا الأمر الى عنصرية يمارسها تجاه الاخر تأخذ طابع العنف والتعسف والايذاء .

ثقافة الدناءة هي التي انتجت جمع من الذين يلطمون ويشقون صدورهم من أجل الحسين ليس حبا فيه، بل حقيقة للانسجام مع الجريمة التي تعيش عليها حفنة من رجال دين شيعة والتي تتمثل في كره الآخر وتبرير قتله وسرقته.

ثقافة الدناءة هي التي تمنع انتقاد ولي الأمر رغم أن لا شرعية له، وشرعية الأمر الواقع لا تُمنح للظالم أو الحكم الوراثي.

ثقافة الدناءة هي التي تمنع المهجرين من العودة لمنازلهم، وهي التي تبرر هذا المنع.

ثقافة الدناءة هي التي تفرح بانتصار كرة قدم بشكل صاخب وتصمت أمام اعتقال نخبة ممتازة من الوطن.

ثقافة الدناءة هي التي تجعل الفوارق الطبقية حقا إلهيا.

ثقافة الدناءة تبرر أن يكون المال عند الشيوخ أو الامراء أو الملوك أو الرؤساء وعوائلهم.

ثقافة الدناءه هي التي تجعل الشعب عبدا لحاكم يتم التعاطي معه كآلهة ومع عائلته غير الكريمة.

ثقافة الدناءة هي التي تجعل العسكر والشرطة والأمن بلا مسألة ولا انتقاد.

ثقافة الدناءة هي التي تعتز بجيش يخوض حربا ضد ابناء الشعب.

ثقافة الدناءه هي ثقافة من يدافع عن نظام سجان وقاتل وفاسد. 

ثقافة الدناءة هي التي تنكر أصول من يعيشون معنا في نفس البلاد لأسباب سياسية ولحرمانهم من حقوقهم. 
ثقافة الدناءة هي التي تمنع ابناء المواطنات المتزوجات من جنسيات اخرى من الحصول على جنسية الأم، وتسمح لابناء المواطنين المتزوجين من جنسيات اخرى من الحصول على جنسية الأب، لانها ثقافة لا تؤمن بالشراكة في الوطن ولا المساواة بين الجميع. 
ثقافة الدناءة هي التي تمجد دولة تحتل جزر الإمارات -رغم الإدارة السيئة للإمارات لقضية الاحتلال - وتصمت عن احتلال الاحواز.
ثقافة الدناءة هي التي تعتبر التحالف مع واشنطن انتصارا رغم كل جرائم واشنطن بحق شعوب العالم والعرب والمسلمين.
ثقافة الدناءة هي التي تصمت عن تدمير اليمن وقتل الابرياء بحجة محاربة الحوثي.
ثقافة الدناءة هي اي أي نوع من التطبيع مع إسرائيل والصمت عمن يفعل ذلك.
ثقافة الدناءة هي التي تبيع القدس او تحاول تدويلها أو تدويل الحرمين. 
ثقافة الدناءة هي التي تنسى إن جرائم ترتكب بحق أناس ابرياء في العراق وسوريا بحجة دعم حماس.
ثقافة الدناءة هي أي ثقافة لا تلتزم بها الأنظمة العربية بالدفاع عن دولها مجتمعة.
ثقافة الدناءة في الصمت على الخيانة والخيانة المضادة التي تمارسها الأنظمة العربية تجاه بعضها البعض.
ثقافة الدناءة هي التي تفصل قضيتنا عن الانتصار لنضال الأمم الاخرى.

ولكن الاخطر في ثقافة الدناءة هي ثقافة كره الذات والآخر، والتطبيل للظالم، وتبرير ظلمه، والتنديد بمن يرفض الظلم، وتفضيل ظلمه على عدالة آخرين لأسباب قبلية أو مناطقية أو حزبية أو طائفية.